بحضور كبير من الأساتذة وطلبة الإجازة والماستر والدكتوراه بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، وفي جو يطبعه الإصغاء والاهتمام ومُساءلة تجارب الحياة في علاقتها بالخيال؛ نظم مختبر السرديات لقاء مفتوحا مع الكاتبة التونسية مسعودة بوبكر، يوم الثلاثاء 15 نونبر 2022،، بتسيير مريم السعيدي ومشاركة سلمى براهمة وبحضور الكاتبة.
وقد افتتحت مريم السعيدي اللقاء بالاشار إلى أن منجز الكاتبة مسعودة بوبكر يتميز بالتنوع والغنى، بين الرواية والمجموعات القصصية والدواوين الشعرية، وبين منجزات أخرى متنوعة في أدب اليوميات والمسرح والنصوص السردية الحرة المتحررة من رقابة الجنس الأدبي، ناهيك عن ترجماتها من الفرنسية إلى العربية.
وفي كلمته الترحيبية، قال شعيب حليفي، بأن هذا اللقاء فرصة لتجديد الأواصر مع الأدب المغاربي، معبرا عن اعتزازه بالكاتبة مسعودة بوبكر وبالتنسيق وبالاشتراك معها في عدة أنشطة وفعاليات ثقافية، مشيرا إلى أنها تعد من جملة الكاتبات التي امتزن بالشجاعة الأدبية، في الكتابة والخيال، حيث جعلت من الخيال ممرا ليكون محطة، حينا في الواقع، من أجل نقده وتشريحه، وحينا آخر، من أجل مساءلته باللعب السردي، كما نجده في أعمالها الأدبية، وهي في كل هذا، بحسبه، مثل الكتاب الذين يمتازون بهذا الصفاء في الذهن وفي الخيال وفي الوجدان أيضا، حيث لا يكتفون بنص يجيب عن أسئلة عابرة، بل يبحثون دائما عن أسئلة تحفر في التاريخ.
ورقة سلمى براهمة، النقدية، استهلتها بالتعبير عن سعادتها بلقاء الكاتبة، مشيرة إلى أن معرفتها بها كانت من خلال أعمالها، حيث ترى أن أكثر ما يعبر عن الكاتب والمبدع بصفة عامة، هي أعماله التي تقدم رؤيته للعالم وتبرز اختياراته الإبداعية وبالتالي قوة التجربة وفرادة البصمة الإبداعية التي يحظى بها، والتي تميزه عمّن سواه. مضيفة أن مسعودة بوبكر كما تجلت لها، هي الكاتبة التي لا تتردد في “إلقاء حجر في المياه الراكدة”، كما صرحت في أحد حواراتها، والتربص بأسئلة الإنسان داخل تونس، وفي كل الأوطان العربية، ذلك أن شغلها الشاغل أن تكون الكتابة صادقة، متفاعلة مع أحداث الواقع، مستجيبة لهموم الذات وانشغالاتها، قادرة على مقاومة النسيان، وتحفيز الذاكرة، ونقل ما وقع وما يقع للأجيال القادمة. منصّصة على أن مشروع مسعودة بوبكر يلتقي بمشروع الروائية ليلى بعلبكي، في معالجته العميقة لقضايا النسوية وملامسته لنقاط ضغطها، وهذا ما تفصح عنه، بحسب المتدخلة، سائر أعمالها، وتتجلى تفاصيله في مدونتها الروائية، التي تضم ست روايات: “ليلة غياب، طرشقانة، وداعا.. حمو رابي، جمان وعنبر، الألف والنون، وريح الصبّار”. وخاصة روايتها الثانية “طرشقانة”، التي ترى د/ سلمى أنها رواية فريدة بطرافة فكرها، وجرأة موضوعاتها، وعمق التناول لموضوعات التحول الجنسي، واغتراب الأنوثة، والكتابة النسائية، وحقوق الفرد في المجتمعات التقليدية.
قي كلمتها، والتي كانت عبارة عن حوار بينها وبين مريم السعيدي، عبّرت المبدعة التونسية مسعودة بوبكر، خلال إجاباتها وتفاعلها، عن سعادتها الغامرة بحلولها ضيفة لدى مختبر السرديات بالدار البيضاء، مفتخرة بما راكمته معه من ذكريات وما جمعه معها من فعاليات وأنشطة أدبية وثقافية، وعن تأثرها بكل ما قيل في حق تجربتها الأدبية، كاشفة علاقتها المباشرة مع المغرب، التي ابتدأت بزيارة إلى مدينة اسفي. لتفتح لنا الباب، بعد ذلك، للدخول إلى عالمها، وتتبع رحلتها الشيقة في دروب الكتابة، منطلقة من بواكر انشغالها بالكتابة وإصابتها بلوثتها، على حدّ تعبيرها، التي ابتدأت من حرص والدها على تعليمها، ومداومته على تزويدها بالكتب والأوراق التي كان يصادفها عند ذهابه إلى السوق، ومنها نسخة شديدة القدم من كتاب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” للمقري”، وكذا العوامل المتحكمة في بروزها وصقلها وتوجيهها نحو تشريح ظواهر المجتمع والغوص في بواطن قضاياه والانهمام بالتاريخ، واهتمامها الدائم به في كتاباتها بغية خلخلة مركزياته وإنصاف مهمّشاته، وإعادة قراءة الماضي، في ضوء ذلك، وقراءة الحاضر واستشراف المستقبل، إذ إن الأدب، بوصفه هكذا، وبحسب جاك رانسيير، هو الذي يفرض نفسه في خطاب الحقيقة وهو الذي يعارض ما بين تاريخه المنسوج من مجموع حركات المُغْفَلِين الغائمة، وبين تخيلات السلطة وترجمتها في التاريخ المُدَوَّن.
ليُفسح المجال، بعد ذلك، أمام المتدخلين من الحضور للمشاركة في اللقاء، والتعبير عن انطباعاتهم وإبداء آرائهم وأسئلتهم، التي تركزت حول تجربة الكتابة لدى الكاتبة مسعودة بوبكر، وحول قضايا الكتابة النسائية والنسوية، وحول سلوك دروب الكتابة وما يحُفُّها من رهانات وما تحكمها من معادلات مرتبطة أساسا بالسياقات الثقافية والاجتماعية وبكيفيات تمثل قضايا المجتمع والتاريخ، والثنائيات التي ترتهن بها الكتابة كثنائية الأنا والآخر والمركز والهامش والتاريخ والذاكرة، وهي كلها ثنائيات نجد لها صدى في مشروع مسعودة بوبكر، إن على مستوى الكتابة في حد ذاتها، أو على مستوى الحساسية التي تحقق من خلالها.
متابعة: عبد الرحمان الزّْنَادِي