تحت إشراف الأمينة العامة للاتحاد العالمي للمؤسسات العلمية البروفيسور سرور طالبي أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية في مركز جيل البحث العلمي بتاريخ 12 ماي 2023 ندوة علمية افتراضية للاحتفاء بالإصدار الأخير لعضو لجنته التحكيمية البروفيسور اليامين بن تومي، والموسوم بـ”السرد الأموي “، وذلك بمشاركة كل من البروفيسور آمنة بلعلى والدكتور محمد جليد من الجزائر والبروفيسور محمود الحياني من العراق.
كما و أدارت الندوة رئيسة قسم الدراسات الأدبية والفكرية ورئيسة تحرير مجلته الدكتورة غزلان هاشمي، بمشاركة حضورا معتبرا لأساتذة وطلبة ومهتمين من عدة جامعات عربية.
افتتحت الأستاذة سرور الندوة بالترحيب بالحضور وبالمحتفى به وتثمين جهوده وجود كل أسرة المجلة ثم أحالت الكلمة إلى مديرة الندوة التي أكدت في كلمتها الترحيبية على الاحتفاء بمؤلفات أسرة المجلة نظير جهودهم النوعية في المجلة ونظير ماقدموه للساحة النقدية والمعرفية العربية ككل، كما قدمت المحتفى به وأشادت بمنجزاتك المختلفة والمتعددة مثل: أمراض الثقافة وتشريح العواضل البنيوية والتاريخية للعقل النقدي العربي الذي تمت مناقشته من قبل، رواية الازمة وإشكالياتها النظرية،نصر حامد ابو زيد ومرجعيات القراءة والتأويل…
بعدها أحيلت الكلمة إلى البروفيسور بن تومي الذي قدم عرضا مختصرا لمحتويات كتابه، إذ بين أنه عبارة عن مساءلة طالما انطلق منها، وهي إشكالية المصطلح الذي يطرح في العديد من الملتقيات تارة يتم استعمال مصطلح”نقد نسوي” تارة “نسائي” …، وقد تحولت الانثى داخل هذه الاطروحة حسب رأيه إلى كتل متفاوتة حاولت أن تقدم لها من منظور معين إما فلسفي أو سوسيولوجي ..، وبعد أن وضح فصول الكتاب ،بين أنه خلص إلى أطروحة يمكن أن تلملم شتات هذا الكل الذي تم قطعه، فالنقد لم يعد يتحدث عن كتابات نسوية بل أصبح يتحدث عن كتابات سحاقية …فقد تقطعت كينونة الامومة …هذا ووضح أنه حاول أن يلملم شتات هذه الكتابة من خلال نموذج روائي رأى أنه يحاور هذه الأطروحة ، انطلاقا من سيميائية الاهواء…
بعدها قدم البروفيسور محمود الحياني من الكلية التقنية الإدارية الموصل/العراق مداخلة تحت عنوان “تأويل سرديات الحلولية الأمومية: مقاربة في كتاب السرد الأمومي الصيغ والمنظورات للدكتور اليامين بن تومي،” بين أنه قرأ الكتاب بمتعة، واكتشف أنه بصدد إنسان مثقف أدخله في الفلسفة الوجودية وغيرها، وبين أن كتابه تأويلي أكثر منه سيميائي، فالكتاب بصورة عامة مقسم الى مقدمة وخمسة فصول :
“المدخل حاول الكاتب عن طريقه أن يقدم مشروعه عن مصطلح المرأة ولاسيما في الخطاب النسوي أو الأنثوي والأمومي، رابطا ما بين النسوية وجانبها العقائدي والأنثربولوجي والثقافي والفكري ،متحيزا لمصطلح الأمومية، والذي حاول أن يروج له على حساب مصطلح الأدب النسوي أو الأدب الأنثوي والذي شكل المصطلح الأصل أو المركز في الخطاب النسوي، واصفا الكاتب بأن هذا المصطلح عانى من اضطراب في المفهوم والشكل والمصطلح، مشيرا إلى أن مصطلح الأمومة مصطلح شامل يرتبط بكل ما يرتبط بالمرأة والأنثى أو أدب المرأة، منطلقا من رؤية تفكيكية أو ما يمكن أن أطلق عليه مصطلح وسمات ما بعد الحداثة، التي أفرزت الخطابات على وفق السيولة والصلابة على وفق ما جاء به باومان، كالصلابة الذكورية والميوعة الأنثوية ،الخفاء والظهور ،وأن كل ما يرتبط بالخفاء هو حالة الأنثى .
ولا بد من القول أن مصطلح الأمومة هومصطلح يمكن أن نجده في استعمالات علم الاجتماع عند قسم من العلماء، ما بين مجتمع الأمومة ومجتمع الذكورة، وأن لكل مجتمع رموزه الخاصة ،ولقد وجد لاكان ارتباطا ما بين الأنثى والذكر، وحالة اكتشاف الآخر والتي أطلق عليها مرحلة اكتشاف المرأة، مع العلم أنها ترتبط بمرحلة الطفولة، ووجد أن التعرف على الشيء هو التقرب منه وهو نوع من الحب وهكذا…
وجد قضية سيمياء الأهواء والمرأة أو الحالات النفسية وكيف يتم تفسيرها سيميائيا، وأن الطرح الجريء أو الذي يبدأ به الكاتب هو في أن يكون هناك مشروعا روائيا ذات سمات أمومية أو أنثوية، ويمكن القول أن قضية تجنيس الاختيار ووضعها في سلم التفريق بين الأنثى والذكر ربما هي طموحات مثالية أعتقد أن لكل واحد رأي فيها.
وضح أن اكتشاف الرواية هي اختراع بورجوازي وكذلك حداثوي، فهي فردية وذاتية، إذا أردت أن أقدم تفسير ظهور الرواية يمكن أن اخالف ما قدمه الكتاب من اجتهاد وهي ذات اعتبارات مهمة .
ـــ يطرح الفكرة الأساسية في سرديات الأهواء، والتي تم مقاربتها في رواية زاوية حادة، فالسارد رائي تحدث عن إسقاطات الطفولة، و عن السلطة الرمزية والمادية والتشيؤ الذي أصاب الأنثى، وكيف تم إقصاؤها عن طريق عدم التوزان بين الذكر والأنثى اجتماعيا وجسديا، وكيف يكون الطفل هو الوسط أو نقطة الالتقاء الذي أدى إلى تكوين عملية توازن، وأن هذا التوزان لم يكن منصفا للمرأة ،فسيميائية الأهواء هي عملية البحث عن الدلالة العاطفية وما يرتبط بها من رغبات وأهواء تحرك السلوك أو الفاعل، وإقصاء التأثير الخارجي، وأن المرأة تميل إلى الفضاء الداخلي ،التقاء الزمان بالمكان،فهي الزمن الماضي، والرجل مستقبل المرأة متقدة الحركة ،بينما المكان والرجل ذات ديمومة وحرية وحركة ،وعدم الاستغلال نابع من التبعية .
وإن كنت أختلف مع الكاتب في الزاوية الحادة، وأجد أنها قضية إيجابية وليست سلبية ،إذ أن الزاوية الحادة في علم الرياضيات متميزة وذات إيجابيات كثيرة…” .
ثم قدم الدكتور محمد جليد من جامعة محمد لمين دباغين سطيف/الجزائر مداخلة تحت عنوان “قراءة مضاعفة للسرد الأمومي”.
وضح فيها أن أسلوب اليامين كان تفكيكيا وقريبا من كتابات المسكيني، كتاب تشريح العواضل مثلا دعا فيه إلى إقامة موجة تثويرية داخل العقل العربي من أجل أن نضع مصطلحاتنا وأفكارنا على أرضية صلبة ..، فمثل ماقدم مصطلحا جديدا من قبل وهو الجداثة هاهو اليوم يقدم لنا مصطلح السرد الأمومي، وهذا مايحيل على عبقرية النحت وشجاعة التقديم، وقد طرح عليه أسئلة منها إن كان بصدد استبدال متعال ذكروي بمتعال آخر ؟.
أما البروفيسور آمنة بلعلى من جامعة مولود معمري/الجزائر قدمت مداخلة تحت عنوان “قراءة في مشروعية البدائل في كتاب السرد الأمومي”، قالت فيها: “كما نعلم جميعا اليامين باحث مجتهد وموسوعي ومتمكن له منظومته الاصطلاحية التي يرافع من أجلها ،وله قدرة كبيرة على التفكيك والتأويل، وهو يحاول تقديم نظرة خاصة في مجال النقد الحداثي ومابعد الحداثي، نجد مصطلحات إحالات مفاهيم ،وهو مايعبر عن أنه ظاهرة ثقافية في الجزائر تستحق التكريم، قرأت الكتاب ووجدت فيه استفزازا كبيرا وإشكاليات كبيرة، فهو يخلق من قارئه مسائلا يسائله في كل شيء، لذلك يطرح علينا إشكالا مفاهيميا “، كانت مداخلة الأستاذة آمنة طرحا لأسئلة، منها: هل مصطلح الأمومي لا علاقة له بالأم وإنما بمجموعة من الصفات التي قد تلتقي مع الأم وقد لا تلتقي معه؟ لكن هذ المدخل النظري الذي عالج فيه المصطلح كبديل عن بقية المصطلحات، إذا كان الأمر متعلقا بتفكيك المفهوم، فهل نمتلك نحن كعرب الحق في أن نفكك مفاهيم الآخر، وأن نعطي بدائل لمفاهيم أنتجت في الغرب وعبرت عن حاجات نفسية وفكرية غربية؟ هل نملك الحق في تعديل هذه المفاهيم في ثقافتنا؟
هل هذا المصطلح يعد بديلا عن مصطلحات ثلاثة بدعوى أنها جزأت كينونة المرأة ؟ فهل نحن قادرين على استعماله؟ إذا كان المصطلح مرتبطا بالنقد فماهو جدوى هذا الأمر؟ وإذا كان مرتبطا بالسرد والرواية والأدب فالسؤال يطرح حول طبيعة الأدب المنتج، لماذا اللجوء إلى المصطلحات التي فيها عنف كبير في الكتاب؟ ما الذي يسوغ لليامين اعتبار الكتابة فعلا ذكوريا؟ لماذا استعمل صيغة الأمومة ولم يستعمل صيغة الأنوثة ؟
بعد المداخلات فتحت الدكتور غزلان باب النقاش، فقد أثنى البروفيسور طارق ثابت على البروفيسور بن تومي، وبين أنه ناقد فذ ومفكر يستحق إقامة مؤتمرات وفعاليات كثيرة حول كتاباته ،
هذا وطرح باحث الدكتوراه بدر الدين درارجة مجموعة أسئلة مفادها : “هل ترتهن النسوية بتحرر المرأة تحررا كاملا لكي تستعيد وجودها الحقيقي؟ وهل صحيح أن فاعلية المؤنث تتأكد فقط في أوقات تفكك المجتمعات ؟ أيكون تحررها وقفا على فكرة النقض لفرضية تابعيتها للرجل أو مشابهتها له؟وكيف ينبغي أن تتعامل المرأة الكاتبة مع الجسد الأنثوي…أتتركه في غواياته مستقلا عنها في مركزيته أم تمسكه بقبضتها وتتسيد عليه ؟ وبماذا تتشكل النزعة النسوية وهي تستنبش أغوار الجسد كتابيا ؟ هل تعبر عنه بجرأة مخترقة بعنف سلطة الأبوية عبر كتابات لا نمطية أو ستظل قاصرة عن الاختراق والاعتراف متورطة في تأييد السلطة الذكورية جارة أذيال الخيبة؟
شكر البروفيسور اليامين الأساتذة على مداخلاتهم المميزة والدقيقة، بين أنه لا يمتلك أجوبة مطلقة عنها، إذ أنه طيلة عشرين سنة يسمع في المؤتمرات والفعاليات كما رهيبا من المصطلحات التي تكتب بها عن المرأة، وهو سليل عائلة تفهم الفرق بين النسوية والنساء، التي تتراوح بين السلب والدلالة الإيجابية، لذلك كان يقرأ للفيلسوفات الغربيات حول مايطرحن، حيث طرح وقتها سؤالا على نفسه:”كوني باحثا مسلما ماعلاقتي بهذا الزخم المصطلحي الذي نشأ داخل المجتمع الصناعي الغربي ؟ ” وهنا بدأ يتشكك ويحاول زعزعة هذه المصطلحات، على ضوء ذلك أجاب عن تساؤلات المتدخلين.
وبعد هذا النقاش الماتع ختمت مديرة الندوة الدكتورة غزلان الجلسة قائلة:”في ختام هذه الجلسة المباركة أبارك لنفسي وللساحة النقدية الجزائرية والعربية وجود مفكر فذ يملك من العدة المعرفية والآليات وعمق الرؤيا ما يجعله يمتعنا في كل مرة بمنجزات تتأسس على ثقافة الاختلاف والمغايرة، مفكر لا يكرر نفسه وإنما ينفتح على جديد، مبارك علينا جميعا هذا المنجز الجديد المهم، هذا وأشكر السادة الأساتذة المحاضرين الذين شرفونا بالحضور، وبمناقشة الكتاب نقاشا فاعلا واعيا نافذا للعمق: د. محمد جليد، أ.د محمود الحياني، أ.د. آمنة بلعلى، شكرا جزيلا لمن حضر من الأساتذة الأفاضل: أ.د.نبيل الرفاعي من مصر ، أ.د. محمد البدراني من العراق ومن الجزائر: أ.د. عبد الله العشي، أ.د.طارق ثابت، أ.د. مديحة عتيق، د. سليمة بنية، د. محمد جلاط، د. حمبلي زين الدين … وكل من لم أنتبه لحضوره، أشكر كذلك طلبتي الأعزاء في الدكتوراه والليسانس على الحضور وعلى تفعيل النقاش : بدر الدين درارجة ومنيرة حسناوي وسامي إسماعيل، محمد العربي زعبوب وحزام منور، وحتى الذين حضروا وأنصتوا من هذه الدفعة المتميزة دعاء لحساونية وبدور رانيا وباهي عايدة ..، ولا أنسى أن أجدد شكري للأستاذة سرور التي تحتضن دائما كل ما أفكر به من فعاليات بكل حب وحماس، تحتضن هوسي المعرفي وتساندني. وعلى أمل لقياكم في فعالية أخرى أترككم في حفظ الله.”