أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ندوة علمية افتراضية أمسية يوم الجمعة 25 نوفمبر 2022، تمت فيها مناقشة كتاب عضو اللجنة العلمية التحكيمية الباحث العراقي الأستاذ الدكتور صباح علي سليمان محمد الجبوري “محاضرات في اللسانيات النظرية”، وتقع هذه الندوة ضمن سلسلة الندوات التكريمية لأعضاء أسرة مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ، وقد تمت بمشاركة كل من الأستاذ الدكتور ياسين سرايعية والدكتورة سليمة محفوظي والدكتورة لندة قياس من جامعة سوق أهراس/الجزائر .
افتتحت رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي الجلسة مرحبة بالحضور ومؤكدة على أن هذه الندوة احتفاء بمنجزات أسرة المجلة من أجل مد جسور التواصل ، وأسندت إدارتها للدكتورة غزلان هاشمي التي افتتحت المداخلات وأحالت الكلمة أولا إلى المحتفى به والذي تحدث عن أهم محتويات كتابه قائلا: ” يعد كتاب محاضرات في اللسانيات النظرية من الكتب الميسرة لطلبة البكالوريوس، وقد سلطت فيه الضوء على نشأة الدراسات اللسانية عند العرب والغرب ،والفرق بين فقه اللغة وعلم اللغة، وتوحيد بعض المصطلحات اللسانية، ساردا العديد من موضوعات علم اللغة منها المقارن والتاريخي والاجتماعي والنفسي والرياضي والجغرافي والسياسي…الخ ،معرجا القول على أهم المدارس اللسانية عند العرب وخاصة الأئمة الجاحظ وعبد القاهر الجرجاني وابن خلدون والسكاكي، والمدارس عند الغرب وخاصة تشومسكي وبلومفيلد وسابير وهاريس وفيرث .
وقد ابتعدت عن التفصيل ؛ لأن الغاية من تأليفه أن يكون مدخلا لعلم اللسانيات.
و في نهاية المطاف اشكر مركز جيل للبحث العلمي على هذا التكريم ،ومناقشة الكتاب من قبل أساتيذ معروفين بعلميتهم في هذا التخصص .”
أحالت رئيسة الجلسة الكلمة إلى الأستاذ الدكتور ياسين سرايعية الذي قدم مداخلة تحت عنوان”من تماثل الوصف إلى الكليات التصورية في كتاب اللسانيات النظرية لصباح علي السليمان”. حيث قال:”تقف هذه الورقة البحثية عند ما يثيره الباحث في عمله الموسوم بـــ “اللسانيات النظرية” من مسائل مهمة في حقل اللسانيات النظرية في حقل البحث اللغوي والتفكير اللساني الحديث إنطلاقا من الإرهاصات الاولى لدى العرب والوقوف على أبرز المفاهيم المصطلحية للمفاتيح اللسانية التي أنتجها الفكر الغربي اللساني الحديث.
كما تسعى هذه المحاولة لمساءلة اهم عقبات تحديد بعض المصطلحات التي يشوبها الاضطراب في حقل الدرس اللساني المعاصر، وارتياب التلقى العربي لها والفروقات بين المفاهيم المتقاربة والمتداخلة والمتدولة”.
وبعد أن أسهب في تقديم رؤيته حول محتويات الكتاب ،قدمت الدكتورة سليمة محفوظي مداخلة موسومة بـ”اللسانيات وخصائص اللغة” ،قالت فيها:”أريد أن أتطرق في البداية مفهوم اللسانيات و هي العلم الذي يهتم بدراسة اللغات الإنسانية ودراسة خصائصها وتراكيبها،ودرجات التشابه والتباين فيما بينها،لقد وضع علماء اللسانيات عددًا من النظريات؛لتحديد المرحلة التي بدأ فيها الإنسان التعبير عن نفسه بالكلام، ولكنّ أيًا من هذه النظريات لا تفسر تفسيرًا كاملًا تطور اللغات الإنسانية إلى ما وصلت إليه من تعقيد ودقة، إذ يرى اللسانيون أنَّ اللغات بمراحلها المختلفة تشكل أعظم إنجاز حققه الإنسان في تاريخه، وهي أكثر أهمية من كلِّ ما أبدعه الإنسان من أدوات في الأعوام الألفين الماضية؛ لما تؤديه من أهمية بالغة في حياة الإنسان، فبوساطتها يفكر، ويتصل بالآخرين، ويحقق التكيف مع نفسه ومع البيئة التي يعيش فيها، وما لغة الفرد إلّا انعكاس لطريقة عيشه، ومستوى تفكيره، وعمق أحاسيسه.
خصائص اللغة
اللغة ظاهرة إنسانية هي القدرة على التعبير والتواصل بوساطة مجموعة من العلامات المتمايزة، فلا يمكن لفردٍ أنْ يتكلم لغة بني جنسه ما لم تكن له القدرة على استعمال العلامات من أجل التواصل معهم، وهذه القدرة بالذات هي ما يشير إليه مفهوم اللغة. ويدل مفهوم اللسان على نسق العلامات المتداولة، وتتحقق القدرة على استعمال نسق العلامات بوساطة الكلام، وعلى هذا الأساس أمكن التمييز بين اللغة واللسان والكلام. فاللغة هي القدرة على التعبير والتواصل، واللسان هو نسق العلامات المستعمل للتواصل، وأما الكلام فهو طريقة استعمال الفرد لذلك النسق.
قرر رائد اللسانيات الحديثة (سوسير) أنَّ اللغة المعيّنة (اللسان) جزءٌ اجتماعيّ من الكلام الإنسانيّ، مستقل عن الفرد لا يمكن أن يخلقها, ولا أن يغيرها بنفسه وحده، فهي تنشأ على أساس نوع من الاتفاق بين الجماعة، لذا يمكننا أنْ نقول: إنَّ اللغة عند سوسير هي نظام، أما الكلام في منظوره؛ فنشاط، أو إنَّ اللغة ” نظام من الرموز الصوتيّة المتفق عليها في البيئة اللغويّة الواحدة، وهي حصيلة الاستخدام المتكرر لهذه الرموز التي تؤدي المعاني الصوتيّة، أما الكلام فالكيفية الفردية للاستخدام اللغويّ
استطاع (دوسوسير) أن يحدد موضوع علم اللغة ودراسة اللغة بقوله في عبارة جامعة: “إنَّ موضوع علم اللغة الصحيح والفريد، هو دراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها. وهو يقصد بذلك أنَّ عالم اللغة يدرس اللغة كما هي، أو كما تظهر
كما تعرض الباحث إلى أهم المدارس الأوربية:
1 – مدرسة (براغ – praug school) التي وضعت نظرية كاملة في التحليل الفنولوجيّ – phonology، ظهرت في أوربا، ومن ابرز روادها العالمان:(نيكولاي تروبتسكوي (1890م-1938م) N.Trubetskoy -) و(رومان ياكبسون(1896م- 1982م)- R.Jakobson)
2 – مدرسة كوبنهاجن، وهي التي أسسها العالم اللغويّ الدنماركيّ (هلمسليف ( ولدعام1899م) – Hielmslev، وقد أٌسست هذه المدرسة في أوربا على أصول رياضية mathematical صورية، احتيج للتعبير عنها إلى مصطلحاتٍ جديدة غير المصطلحات المعروفة المتداولة، بحيث كانت هذه المصطلحات من الغرابة والغموض ما جعلها سببًا في الحدِّ من انتشارها،
3 – مدرسة فيرث (1890م-1960م)- Firth, J.R.: وهي مدرسة أوربية لغوية أيضًا تهتم بالمعنى،
ويُعدُّ (فيرث) أول عالم بريطانيّ وضع نظرية لغوية حديثة
كما تناول الباحث المدارس الأمريكية: تمثلت هذه بادي الأمر بآراء (إدوارد سابير 1884م-1933م E.Sapir) الذي انطلق في دراسته للغة من فكرة (النماذج اللغوية- linguistic patterns) التي تعني أنَّ كلَّ إنسانٍ يحمل في داخله الملامح اللغوية لنظام لغته، وهي نماذج ثابتة
المدرسة السلوكية أو (مدرسة ييل – yale): وهو اسم الجامعة التي كان يعمل فيها مؤسسها العلم اللغويّ (وليونارد بلومفيلد 1887م- 1949م – L,Bloom field) أستاذًا إلى الدراسات اللغوية، فقد استطاع هذا العالم أن يكوِّن لنفسه مدرسة لغوية واضحة ومستقلة في تاريخ الفكر اللغويّ الإنسانيّ بعامة، والفكر اللغويّ الأمريكيّ بخاصة.
3 – مدرسة التوليدية التحويلية – Transformational Generative Linguistics- : انطلق (نعوم تشومسكي – Noam CHomske) مؤسس هذه النظرية من اعتقاده بأنَّ الهدف الأول من دراسة اللغة الإنسانية هو معرفة طبيعة العقل البشريّ، وكيف يعمل، وأنَّ تركيب اللغة يتحدد بتركيب العقل الإنسانيّ، وأنَّ وجود خصائص لغوية عامة تجمع كل اللغات لهو دليلٌ على أنَّ هذا الجانب من الطبيعة البشرية واحد وعام عند جميع البشر، بغض النظر عن الأصل والعرق والطبقة والفروق العقلية أو الطبيعية، لذلك رفض الأنموذج اللغويّ السلوكيّ الذي وضعه (بلومفيلد)؛ لأنَّه يتعامل مع الإنسان كأنه حيوان أو آلة.
كما تناول الباحث المدارس اللسانية العربية كمدرسة النظم للجرجاني،والمدرية البيانية للجاحظ والسكاكي”.
هذا وقدمت الدكتورة لندة قياس مداخلة تحت عنوان” قراءة في المصطلحات الأساسية في محاضرات كتاب اللسانيات النظرية لـــــ” صباح علي سليمان”
وضحت فيها أن محاضرات الدكتور صباح علي سليمان تعد” إضافة قيمة وجادة في مجال البحث اللساني،وقد اشتملت هذه المحاضرات على أهم المصطلحات الأساسية للدراسة اللسانية ، حيث حاول الكاتب أن يعرض تعريفا موجزا ودقيقا لعلم اللغة ،وتاريخ ظهوره ،كما تناول الفرق بين علم اللغة والكلام والفرق بينه وبين فقه اللغة وغيرها من الموضوعات,
وقد اتسم أسلوب الكاتب بالبساطة والوضوح والدقة في العرض بما يتناسب و مستوى الطلبة في كافة أقسام اللغة العربية على مستوى الوطن العربي”. هذا و أضافت إلى ما كتبه إشكاليات وأسئلة ضرورية منها :هل هناك غايات كبرى للسانيات ؟ مع ذكر بعض المآخذات من خلال إغفال بعض القضايا المهممة في البحث اللساني ،إضافة إلى تقديم بعض المقترحات التي تساعد الطالب على فهم هذا الموضوع.
فتحت رئيسة الجلسة النقاش أمام الحضور ،أحالت الكلمة إلى الأستاذ الدكتور نبيل أبو رفاعي من مصر ،والذي شكر المحتفى به ،وبين أنه فهم من خلال المحاضرات بأن الباحث قدم اضافة ،لكن قال :سقراط كان يدعي الجهل حينما يطرح السؤال على المستمع ،فالاهتمام باللغة بذاتها وفي ذاتها لا علاقة له بالسياقات الخارجية ،سؤالي للدكتور صباح : البنيوية جاء ما ناقضها ورفض مبادئها واعترض عليها ،فأتت التفكيكية لتدرس النص بطريقة مختلفة…،ما الفائدة من الرجوع إلى مثل هذه الدراسات؟.
سألت د.سليمة محفوظي قائلة:” المدارس العربية القديمة وجدت لكنه لم يعطوها حقها خاصة مدرسة النظم للجرجاني التي كانت سباقة وكانت مدرسة بنيوية بامتياز ،وددت لو كان هناك تفصيل حتى لا نهمل الدراسات العربية الأصيلة والرصينة”.
استلم الدكتور نبيل مرة أخرى الكلمة بين فيها أن مدارس الغرب دائما تقوم على الأنقاض ،وقد ماتت هذه المناهج في بلادها ،فلماذا لا يزال الاهتمام بها ،بدلا من أن نطور نحن في الدرس العربي”.
رد د.سرايعية على د.نبيل مبينا أن المناهج لم تقم على أنقاض بعضها البعض وأنها ظهرت متقاربة ومتداخلة وقامت على الاختلاف والحوار المعرفي،هذا ووضح أستاذ أحمد الحاج من العراق ماتعنيه لفظة فيمينولوجي ،كما أسهب في رده على ماقاله السادة وما وضحوه في العديد من الأفكار.
ختمت رئيسة الجلسة الندوة بعد شكر السادة المحاضرين والحاضرين ،ضاربة موعدا آخر لندوة أخرى في قادم الأيام.