تكريم مركز جيل البحث العلمي للناقد العراقي البروفيسور علي عبد رمضان

أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الجمعة 07 نوفمبر 2022،   ندوة علمية افتراضية تكريما لعضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الناقد العراقي الأستاذ الدكتور علي عبد رمضان، حيث تمت فيها مناقشة كتابه” الإيقاع في قصيدة العمود من خلال الخطاب النقدي العربي” ، وقد حاضر فيها كل من أ.د. عمر عتيق من جامعة القدس المفتوحة في فلسطين، و أ.د. علي هاشم طلاب  من جامعة المثنى في العراق .

بداية رحبت مديرة الجلسة الدكتورة غزلان هاشمي بالحضور وأحالت الكلمة إلى المحتفى به البروفيسور علي عبد رمضان ، حيث قدم ملخصا حول محتويات الكتاب ، بين فيه أن هذا البحث تأسس “على تمهيد  في مفهوم الإيقاع تناولت فيه الدلالتين اللغوية والاصطلاحية، ثم  تابعت آراء النقاد والدارسين قدماء ومحدثين وأقوالهم في هذا المفهوم  وما يتصل به، فوقـفت عند بعض المحاور المهمة التي تكشف لنا فهماً واضحاً لإيقاع الشعر دون غيره من الفنون الأخرى خاصة الموسيقى . وقد عرضت في هذه المحاور للإيقاع بين الشعر والموسيقى، والوزن ودوره الإيقاعي، وأثره في بنية لغة القصيدة. وكذلك القافية . ثم وقفت عند أهم ما يميز الوزن من الإيقاع، وأهمية كل منهما وخصوصيته في العمل الشعري” ، هذا ووضح أنه قسم دراسته إلى قسمين ،حيث شرح محتويات كل قسم قائلا:”

  • القسم الأول : خصصته لدراسة الإيقاع عند النقاد القدماء ؛ فوسمته بـ (الإيقاع في التراث النقدي العربي ) . وقد جاء في فصلين : الأول منهما في دراسة الإيقاع الخارجي ليبحث الوزن والقافية من وجهة نظر القدماء ، وأبرز الموضوعات الإيقاعية التي أثاروها مما يتعلق بالوزن والقافية.

أما الفصل الثاني فخصصته لدراسة الإيقاع الداخلي للقصيدة ، وقد تابعت فيه أهم المظاهر الصوتية والبلاغية التي بحثها القدماء والتي تمثل مظاهر إيقاعية داخلية في بنية القصيدة مبيناً الجوانب التي  ركز عليها القدماء في دراستهم لتلك الظواهر، ومدى تعلقها بالإيقاع أو موسيقى القصيدة .

–  أما القسم الثاني من الدراسة : فاختص بدراسة الإيقاع عند النقاد  العرب  المحدثيـن وقد وسمته بـ ( الإيقاع في الخطاب النقدي العربي الحديث )، وكذلك جاء في فصلين: الأول منهما تناولت فيه دراسة الإيقاع الخارجي: الوزن والقافية.  وفي دراسة الوزن: عرضت لتداخل مفهوم الوزن مع مفهوم الإيقاع عند بعض النقاد المحدثين، ودعوة البعض الآخر إلى الفصل بينهما بعد إدراك خصوصية كل منهما. وكذلك وقفت عند الأسس الإيقاعية التي يقوم عليها الوزن في الشعر العربي، والتي دار جدل النقاد حولها، وبيان رأيهم الأصوب في ذلك .

بعد ذلك وقفت على أثر الوزن في تشكيل السياق اللغوي ودلالاته داخل القصيدة . ثم عرضت لبحث التلوين الإيقاعي داخل الوزن نفسه لأخلص بعد ذلك إلى الوقوف على سر الانسجام النغمي بين الوحدات الإيقاعية وبديلاتها في وزن الشعر العربي. ثم تحولت لدراسة الوزن والغرض أو الموضوع والعلاقة بينهما، وكيفية تمثل الوزن للعاطفة وتأثره بها فدرست آراء النقاد في ذلك وانتهيت إلى ما رأيته الأصوب منها .

وفيما يخص القافية من هذا الفصل فقد تناولتها من ثلاثة محاور مهمة : الأول : أهميتها ودورها الإيقاعي على مستوى البيت والقصيدة؛ الثاني : بنيتها الدلالية ودورها في دعم الدلالة الشعرية وتشكيل جو القصيدة الانفعالي بتفاعلها مع غيرها من ألفاظ البيت؛ أما الثالث: فتناولت فيه بنيتها الصوتية كونها وحدة منتظمة على مكونات صوتية بارزة ولازمة تضطلع بفاعلية إيقاعية مميزة داخل البيت والقصيدة .

بعد ذلك وقفت عند الإنشاد بوصفه عنصراً من عناصر الجمال الشعري في أداء القصيدة تنطلق فاعليته من مستوياتها الصوتية والتنغيمية التعبيرية . وقد ركزت على القافية أكثر من غيرها كونها أبرز تركيب صوتي في البيت ينتهي عنده الدفق الإيقاعي ويتأسس على قيم صوتية مهمة يتميز بإظهارها الإنشادُ الشعري  ويرتكز عليها في التنغيم والتأثير على حد سواء .

أما الفصل الثاني من هذا القسم : فقد خصصته لدراسة الإيقاع الداخلي ؛ فتناولت طبيعة تشكله ومدى علاقته بالإيقاع الخارجي، وأثر الحالة الشعورية والتعبيرية في ذلك. ثم عرضت لأهم مظاهر تشكل الإيقاع الداخلي وأكثر المستويات فاعلية في تحقيقه داخل بنية القصيدة . فوقفت عند الترديد الصوتي وأثره الإيقاعي والدلالي. وكذلك جرس اللفظة وإيحاؤها وتكرار اللفظ والعبارة، ثم الجناس وفاعليته الصوتية والدلالية. ثم تحولت لدراسة بنى التقسيم والموازنة التي ترفد الإيقاع الداخلي وتعززه ، فكان الحديث عن مجموعة من مظاهرها الفاعلة والمؤثرة في بنية النص الشعري.

بعد ذلك تحدثت عن التصاعد القولي وأثره في مستويات النغم وحركتها بين الصعود والهبوط داخل البيت الشعري . وآخر ما أنهيت به فصل الإيقاع الداخلي هو الحديث عن بنية التضاد والمقابلة ودورهما الفاعل في خلق نسق من التقابل والتوازي بين الألفاظ والعبارات داخل السياق الشعري، وأثر ذلك في تأثيث البنية الإيقاعية والدلالية للبيت والقصيدة .

وبعد ذلك كله انتهى البحث إلى خاتمة أوجزت فيها أبرز نتائجه” .

أما أ.د. علي هاشم طلاب  (العراق) فلقد شارك بمداخلة موسومة بـ “قراءة في المفاهيم النقدية لكتاب الإيقاع في قصيدة العمود من خلال الخطاب النقدي العربي ـ” ، بين فيها أن الإيقاع ارتبط “بالتكرار والتعاقب والترابط ليصل إلى مرحلة الانسجام بوصفه وها جماليا يثير الراحة في النفس . وهذا المفهوم النقدي ظهر واضحا عند ابن طباطبا ( 322هـ ) في قوله: ( وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه ) الذي جعل الوزن أساس الإيقاع ، لكن الاختلاف أو الفرق يتضح بين الإيقاع الموسيقي والإيقاع الشعري الذي أساسه الوزن الذي يخلق نظاما خاصا من تعاقب المتحرك والساكن على وفق تشكيلات معينة تعرف بالتفعيلات مما يعني أن بحور الشعر هي التي تنمح الكلمات جواز الدخول إلى عالم القصيدة لتشكل لغة الشعر،  وهذا يعود للانسجام والانتظام الإيقاعي التي تألفه الأذن وتهش له النفس .

مما يعني أهمية وجود اللفظ ودوره الموسيقي ، الذي يرتبط أيضا في القافية التي تخلق نمطا من الإيقاع العمودي المتجه إلى الأعلى حيث قافية أول بيت .ولهذا عدوا الإيقاع أوسع وأشمل من الوزن على الرغم مما شكله الوزن من أهمية خاص للنص والإيقاع في آن ؛ لأنه يصب في مصلحة الإيقاع بشكل عام  ، لهذا اخذ شموليته واتساعه على وفق المحاور الآتية :

  • 1 ـ يقوم الوزن على إمكانيته الإيقاعية ودورها في بنية النص الشعري تركيباُ ودلالة وتعبيراُ،  وتمثل ذلك في الأساس الكمي والنبري وان الشعر العربي استوعبهما وأفاد منهما في بنيته الإيقاعية .
  • 2 ـ للوزن اثر فاعل في تحديد طبيعة السياق الشعري حيث يفرض على الألفاظ ترتيبا معينا به تتخذ خاصية إيقاعية بوساطتها تدخل الألفاظ عالم الشعر ولغته حيث تتجاوز دلالتها المعجمية إلى الدلالة الشعورية المكثفة والمعمقة وتكتسب طاقات تصويرية وإيحائية معبرة ومؤثرة .
  • 3 ـ يتفاعل الوزن مع بنية النص فيبدي مرونة إيقاعية مهمة وفاعلة لتأدية المعاني والإيحاء والشعور ، وتتمثل تلك المرونة بالأشكال الوزنية المتعددة والمتغيرة التي يمكن أن يفيض بها البحر الواحد بفعل الزحافات والعلل عندما تكون موظفة في خدمة التعبير الشعري وأجوائه الشعورية”.

هذا وتطرق الأستاذ علي هاشم إلى عدة نقاط وإشكاليات وردت في الكتاب منها:علاقة الوزن بالمعنى ـ علاقة الإيقاع بالقافية ـ الجناس ،فأما عن علاقة الوزن بالمعنى  وضح أن “الأوزان لا تكتسب خصوصيتها إلا بعد إن يخرج منها الشعر ، وهذه الخصائص تتغير مع كل شعور جديد يوضع فيها ؛ لأن الألفاظ هي من تحدد الخصائص ومن ثم فان اللغة الشعرية هي التي تكشف علاقة القافية بالإيقاع”.

وفي جزئية :علاقة القافية بالإيقاع :بين أن دورها الدلالي يظهر “بتفاعلها مع غيرها من ألفاظ البيت لتسهم في تشكيل الدلالة بشكل متوازٍ مع فاعليتها الإيقاعية ، زد على ذلك أنها تعمل على التلوين الدلالي الذي يجمعه نسق إيقاعي موحد هو النظام القافوي والوزني وهما من المفاهيم النقدية المهمة لردم الفجوة بين الوزن والإيقاع وجعلهما بمنزلة واحدة ، إذ ليس الوزن شيئا آخر في تحليله غير الإيقاع الشعري ، الأمر الآخر أن القافية قائمة على مكونات متعددة ومتنوعة ومتفاعلة ومتداخلة في ما بينها ، فهي مكونات اختيارية لتأدية المعنى سواء كان على مستوى الصوت وتكراره أو مستوى اللفظ وجرسه بما يناسب الطاقة الشعورية”.

بينما وضح في جزئية الجناس :أنه يؤدي “وظيفة إيقاعية يؤديها التكرار وتعزيز صورة التجانس الصوتي في النص ، لكن وظيفته الأساس التكوين الدلالي مما جعله تقنية لفظية صوتية وهذا الأمر ينطبق على مستويات صوتية متماثلة أو متجانسة أو متقابلة أو متدرجة مع الأبعاد التعبيرية والشعورية ذات الأثر العميق  ، وهذا ما نجده في بُنى التقسيم والموازنة والتضاد والمقابلة الدلالية حيث إيراد المعاني المتضادة وخلق تراكمات دلالية في بنية التقابل والأساس والتوازن المنسجم الذي لا يبعد دور الصوت والجرس من دائرته مما يحقق علاقة شعورية وطاقة تعبيرية” .

ثم قدم أ.د. عمر عتيق (فلسطين)  مداخلة موسومة بـ “رؤى معاصرة في إيقاع الشعر العمودي”. ،وبدأ بتساؤل مفاده:هل يستطيع الإنسان أن يحيا بلا إيقاع منظم ؟ ،وكإجابه عنه قال:” قد يبدو السؤال غريبا ، ولكن إذ علمنا أن  الإيقاع المنظم يحكم حياة الإنسان  يصبح السؤال مألوفا وعلميا  ، لأن نبض القلب محكوم بنظام إيقاعي زمني ،  إذ إن زيادة عدد دقات القلب عن المألوف تؤدي إلى تسارع في النبض ، أي تسارع في إيقاع النبض ، ويمكننا القول : إن تسارع نبضات القلب هو تسارع وخلل إيقاعي . والتنفس الطبيعي إيقاع أيضا ، وأي خلل في إيقاع التنفس يشكل خللا صحيا .  ولغة الإنسان إيقاع أيضا تقتضي  خروجَ الصوت من مخرجه الدقيق ، ووضوحَ سماته الصوتية من حيث الترقيق والتفخيم والهمس والجهر والاحتكاك والانفجار والغنة وغيرُها من الملامح ، وأي خلل في  مخرج الصوت أو في سماته تصبح لغة المتحدث مشوشة غير إيقاعية .

واستئناسا بما تقدم فإن إيقاع الشعر ناجم عن مقاطع صوتية تتألف منها الكلمات والجمل ، ومن السهل أن نقارب بين إيقاع لغة الشعر وإيقاع الآلات الموسيقية ، فإيقاع لغة الشعر ناجم عن تتابع المقاطع الصوتية تتابعا منظما ، وإيقاع الآلة الموسيقية ناجم عن تتابع الأصوات بانتظام أيضا مهما كان نوع الآلة الموسيقية ، فالقاسم المشترك بين إيقاع لغة الشعر وإيقاع الآلة الموسيقية هو التتابع الصوتي المنظم .

المستويات الإيقاعية للأوزان

يمكن الاعتماد على المعايير الآتية للتفريق بين المستويات الإيقاعية لبحور الشعر

أولا: يرتبط إيقاع الوزن بالمستوى العددي للحركات والسواكن، فكلما زادت الحركات ارتفعت درجة الإيقاع، وكلما كثرت السواكن انخفضت درجة الإيقاع.

ثانيا: يرتبط المستوى العددي للحركات والسواكن بالتشكيل البنائي للوزن، فالإيقاع الناجم عن كثرة الحركات لا يتحقق تميزه إلا إذا وقع في بناء مركب ـ كما في الطويل والبسيط ـ

ثالثا: الزحاف والعلل لا يؤثران على نسبة الحركات، لأنهما يقعان على السواكن دون الحركات باستثناء زحاف الخرم.

رابعا:   مجموع الحقائق المتقدمة وحدة واحدة لا تقبل التجزئة

المستوى الإيقاعي للطويل

من المعلوم أن وزنه يكون من تتابع تفعيلتي “فعولن” و “مفاعيلن”، وليس التتابع بحد ذاته هو الذي يخلق الإيقاع وإنما كيفية تتابع الحركات والسواكن التي تكون الأسباب والأوتاد. فلو فككنا التفعيلتين إلى حركات وسواكن لتبين لنا توافق كبير في مكونات التفعيلتين؛ فالتفعيلة الأولى تتكون من متحرك + متحرك + ساكن+ متحرك + ساكن، والثانية تتكون من متحرك + متحرك + ساكن+ متحرك + ساكن+ متحرك + ساكن. والجزء الأول من تفعيلة “فعولن” يتكون من حركتين وساكن (وتد مجموع)، وكذلك الجزء الأول من تفعيلة “مفاعيلن”. وهذان الجزءان ثابتان، لا يحدث فيهما زحاف، لأن الزحاف يقع على الأسباب. ولكن قد يسقط المتحرك الأول من “فعولن” وهو ما يعرف بالخرم. يخلق تتابع الحركات والسواكن في التفعيلتين المتعاقبتين ـ كما تقدم ـ أمواجاً صوتية متناغمة للتفعيلتين، وكلما تحقق التوافق الذي أشرنا إليه زاد الإيقاع.

المستوى الإيقاعي للبسيط:

والبسيط كالطويل، وزن مركب من تفعيلتين مختلفتين، سباعية وخماسية، ولكنهما يختلفان من حيث الترتيب؛ فالطويل يبدأ بتفعيلة خماسية تتلوها تفعيلة سباعية، والبسيط يبدأ بتفعيلة سباعية تتلوها تفعيلة خماسية. ولعل ترتيب التفعيلتين في الطويل يحقق إيقاعا أكثر من الترتيب في البسيط؛ لأن الإيقاع الذي تتصاعد وحداته الإيقاعية من مساحة صوتية سباعية تتلذذ به الأذن الموسيقية، وتستجيب له النفس الإنسانية أكثر من الإيقاع الذي تهبط وحداته الإيقاعية من مساحة صوتية سباعية إلى مساحة صوتية خماسية، ويمكننا أن نقارن ما نذهب إليه بالألحان الموسيقية والضربات الإيقاعية، فالألحان التي تصدر عن أوتار العود أو عن آلة موسيقية أخرى، تبدأ بنقرات خفيفة تستغرق زمناً قصيراً، ولكنها سرعان ما تزداد حدة فيزداد الزمن الإيقاعي لها، وكذلك الزمن الإيقاعي لتفعيلة “فعولن” فهو زمن قصير قياساً للزمن الإيقاعي الذي تستغرقه “مستفعلن” في البسيط. ويمكننا أن نستأنس بأصوات المغنيين الذين يستهلون أغانيهم أحياناً بمقاطع صوتية قصيرة تشكل وحدات إيقاعية صغرى قبل البدء بكلمات ذات مقاطع صوتية طويلة ذات وحدات إيقاعية كبرى. وعليه فإنني أزعم أن الزمن الإيقاعي كلما كان من الأدنى إلى الأعلى كان أكثر إيقاعاً.

أما الزحاف والعلل التي تصيب تفاعيل الوزنين فلا تؤثر على التدرج الزمني الإيقاعي، فالتشكيل الزمني في الطويل يبقى من الأدنى إلى الأعلى، وفي البسيط من الأعلى إلى الأدنى، فالتفاعيل المزحفة تتساوى من حيث النطق مع التفاعيل الصحيحة، لأن الفرق بين التفاعيل التي أصابها الزحاف، والتفاعيل الصحيحة لا تدركه الأذن، لأنه من الثابت أن الفرق الذي لا يزيد عن 16/100 من الثانية لا تكاد تدركه الأذن، وإننا نقوم بعمليات تعويض آلياً تتمثل بتطويـل حـرف، صـائت ومـد النطق في حرف صامت

الدور الإيقاعي للزحافات والعلل

الزحاف منوط بمهارة الشاعر من حيث مواضع استخدامه، وحسن توزيعه، فإذا أحسن الشاعر استخدامه تحقق تنوع الإيقاع، وإذا أفرط فيه خرج عن الغرض الذي وضع له، فالزحاف وإن كان اختياراً وتصرفاً متاحاً للشاعر إلا أنه يقتضي دراية وذوقاً من الشاعر حتى لا يُحدث خللا منفراً في إيقاع التفاعيل.

أهمية الإيقاع في القافية

ينبغي تسخير التباين في تعريف القافية للكشف عن الإيقاع أو المستوى الموسيقي لها، وهذا يعني الإفادة من كل التعريفات تحقيقا للإيقاع؛ فالقصيدة التي يقتصر فيها الإيقاع على تردد حرف الروي وحده، تعد القافية فيها حرف الروي، لأنه الوحدة الموسيقية الوحيدة التي تشكل إيقاع القافية.

الإيقاع المتجانس

وهو تردد صوت الروي في كلمة القافية. ويأتي الصوت المتردد مجاورا للروي، ومفصولا عنه بأحد أصوات الردف، ويمكن تسمية الأول بالإيقاع المتجانس القصير، والثاني بالإيقاع المتجانس الطويل، والفرق بين النوعين فرق في المدة الزمنية التي يستغرقها الصوتان المتجانسان، فالتردد التجاوري أقصر زمنا من التردد المفصول بأحد أصوات الردف، وعليه فإن التردد المفصول أكثر ثراء لإيقاع القافية، لأنه كلما طال زمن النطق بالصوت زاد الوضوح الصوتي السمعي، وتمكن المتكلم من ترنيم وتنغيم الصوت، ومن إيصاله إلى أذن المتلقي واضحا ومؤثرا.

الإيقاع المتقطع

وهو تردد صوت ما قبل الروي، ويأتي مجاوراً، أو مفصولا عنه بصوت من أصوات الردف، وينتج عن هذا التردد إيقاع جديد يعمل على توسيع المساحة الموسيقية للقافية؛ فبدلا من قصر الإيقاع على تردد صوت الروي وحده، فإن الإيقاع يتشكل من تردد صوتين في عدد من قوافي الأبيات. فلو نظرنا في قصيدة رويها الباء ـ مثلا ـ لتبين لنا أن صوت الراء قد تردد مجاورا للروي في قو: “القرب، العرب، كرب، الحرب، السرب، ،، وأن صوت الهاء قد تردد مجاورا للروي في قوله: “شهب، سهب، الصهب، نهب، الشهب، الشهب” فقد أضاف صوتا الراء والهاء نغمتين جديدتين لإيقاع القافية الذي أصبح يتشكل من إيقاع دائم يمثله صوت الروي (الباء)، وإيقاع متقطع يمثله صوتا الراء والهاء المجاورين للروي.

الإيقاع الإبدالي

هو إبدال موضعي بين حرفين من حروف كلمة القافية، مع مراعاة جنس وموقع الحرفين المتبادلين. أو هو إبدال نوعي للحركات في قواف متماثلة لفظاً؛ فقد تتبادل الضمة والفتحة، أو الضمة والكسرة، أو الفتحة والكسرة مواضعها. ويحقق هذا التبادل الموضعي للحروف والنوعي للحركات ثراء موسيقياً للقافية، وتواصلاً دلالياً على الرغم من التباين الدلالي الناجم عن الإبدال الموضعي والنوعي.

الإيقاع التناظري

وهو التناظر بين الأصوات المجهورة والمهموسة، وبين الأصوات المفخمة والمرققة، في كلمات القوافي. فالفرق بين العين والحاء، والغين والخاء، والزاي والسين في ملمحي الجهر والهمس، والسامع لا يكاد يفرق بين الصوت المجهور والمهموس، لذلك يبدو الصوتان صوتاً واحداً، مما يجعل القوافي التي وقع فيها تناظر بين الأصوات المجهورة والمهموسة ترتفع إلى درجة الكمال الموسيقي، كذلك الأمر في القوافي التي وقع فيها تناظر بين الأصوات المفخمة والمرققة، والأصوات المجهورة والمهموسة التي وقع بينهما تناظر هي العين والحاء، والغين والخاء، والزاي والسين، وأما الأصوات المفخمة والمرققة فهي الصاد والسين، والضاد والدال، والطاء والتاء

الإيقاع الاشتقاقي

هو تردد مادة لغوية في عدد من القوافي بصيغ اشتقاقية متنوعة، فقد تأتي المادة اللغوية فعلا مبنياً للمعلوم ومبنيا للمجهول، أو مسندا إلى ضمير المتكلم والمخاطب، أو مسنداً إليه مفردا أو جمعاً، أو اسم فاعل واسم مفعول، أو على وزن فعال وفعال وأفعلل، أو اسماً وفعلا…

الإيقاع التكراري

وهو تردد كلمة القافية رأسياً أو أفقياً في القصيدة الواحدة. ويقع التردد الرأسي في القصائد ذات النفس الشعري الطويل، ولا تعني هذه السمة فقر المعجم الشعري، أو إقحام وتلفيق الألفاظ للقافية وإنما حاجة نفسية تتملك الشاعر فيكرر كلمة القافية مرتين أو ثلاث مرات، فتصبح إيقاعاً موسيقياً متميزاً؛ لأن الإحساس الذي تحمله الكلمة المكررة يتميز بدرجة عالية من الانفعال. ويختلف المستوى العددي للتكرار الرأسي من قصيدة لأخرى،

إيقاع الأصوات

وهو صوت من أصوات الطبيعة، يدل عليه لفظ القافية. فألفاظ القوافي التي تشتمل على صوت طبيعي تتكون من إيقاعين مختلفين؛ الإيقاع الصوتي المشترك بين قوافي القصيدة والمتمثل بصوت الروي، والثاني: إيقاع الأصوات الذي تدل عليه كلمة القافية. ويباين الإيقاع الصوتي الإيقاعات المتقدمة في أمرين؛ الأول: أنه لا يتشكّل من أصوات القافية، والثاني: أنه إيقاع غير مسموع؛ لأنه إيقاع إيحائي.

الأصوات المفردة

تتفاوت القيمة الموسيقية لتردد الحرف في البيت الواحد، أو في أبيات عدّة، ويعود التفاوت الموسيقي لتردده إلى الآلية النطقية التي تنتجه. وإيقاع الحروف لا يطفو على سطح النص مكتفياً بأحداث رنة موسيقية، بل يتغلغل إلى أعماق النص فيمتزج بالمعنى، ولا تبرز العلاقة الحميمة بين الصوت (الحرف) والمعنى إلا بعد إزالة قشور الدلالة، ولعل إدراك هذه العلاقة يبدأ بعد الإحساس بالإيقاع.

الجناس

ثمة ملاحظة صوتية تتصل بتقسيم الجناس إلى تام وناقص،. وقد استرعى انتباهي أن عدداً من أبنية الجناس الناقص، ينتمي فيها الحرفان المختلفان في النوع إلى عائلة صوتية واحدة، كعائلة الأصوات الرنّانة، أو الأصوات المفخمة أو الأصوات المجهورة… وهذا الانتماء العائلي من شأنه أن يقلّص مساحة الاختلاف بين الحرفين، ومن العائلات الصوتية التي ينتمي إليها الحرفان المختلفان في لفظي الجناس، عائلة الأصوات الرنانة أو المائعة التي يجري تبادل بينها، وهي اللام والميم والنون والراء، وهي أصوات مجهورة مائعة، ذات وضوح سمعي.

إيقاع الضمائر

تنهض الضمائر المتصلة والمستترة بوظيفة دلالية يتوقف عليها فهم النص في كثير من الأحيان، لأنها تشكل خطوط اتصال دلالية، تصل أجزاء الكلام في البيت الواحد، وفي أبيات القصيدة كلها. وتولّد ارتباطات ذهنية للمتلقي لوصل أجزاء الكلام، فهي وحدات لفظية صغرى ترتبط بوحدات ذهنية كبرى (الأسماء الظاهرة) تحمل الدلالة نفسها، ومن البدهي أن الإيقاع ينشأ عن الضمائر المتصلة لأنها منطوقة، أما المستترة فتقتصر وظيفتها على الدلالة. ومن البدهي أيضاً أن الإيقاع يتشكل من الضمائر المتكررة المتماثلة، كتكرار الهاء، والتاء، والنون

إيقاع المشتقات/ “البنى الصرفية”

لا شك أن تردد البنية الصرفية يخلق إيقاعاً متماثلاً، يكشف عن مشاعر المبدع، ويخلق تواصلاً دلالياً بين البنى الصرفية المترددة لدى المتلقي، “فالبنى الصرفية لا تظل خالية من مدلولات نفسية وإيقاعية، وإنما هي بنى متصلة بنفس المبدع، ومحرّكة لنوازع السامع ومشاعره

إيقاع الشطر الأول

يوفر بناء الهيكلي للقصيدة وقفة زمنية عند نهاية الشطر الأول للقارئ أو المنشد، وهي وقفة تقارب من حيث الزمن الوقفة في نهاية البيت (القافية)، ومن المعلوم أن القافية تشكل محوراً إيقاعياً رأسياً على طول القصيدة، وهو محور إجباري يفرضه النظام الصارم للقصيدة، أما نهاية الشطر الأول الذي يشتمل على محور إيقاعي فهو إيقاع اختياري يلجأ إليه الشاعر لزيادة المساحة الإيقاعية للقصيدة.

الوزن والموضوع والعاطفة

نهدف إلى  التأكيد أن الوزن الواحد صالح لمعاني شتى ، وأن كثيراً من القصائد تتسم الواحدة منها بتموجات عاطفية مختلفة، وتأتي قصائد عدة على وزن واحد، وكل قصيدة منها لها إيقاع خاص،

ولا نرمي أيضا أن نقف على حدود ما قاله النقاد المحدثون من نفي العلاقة بين الوزن والموضوع، وإنما نسعى إلى إيجاد علاقة بين الوزن والصورة، وبين الوزن واللغة أو السمات اللغوية. وينبغي أن  ننبه إلى أن تحقيق هاتين العلاقتين ليس بالأمر اليسير، كما أن القول بوجودهما لا يعتمد على مقولات قبلية، فما القول فيهما إلا نتيجة  تتبلور بعد استنطاق النص على المستويين الدلالي (الصورة)، واللغوي”.

تدخلت أ.د.آمنة بلعلى من الجزائر من خلال طرح بعض التساؤلات، حيث قالت: اعتقدنا أن الحديث عن الإيقاع لم يعد مهما نظرا لعزوف الباحثين والطلاب عن دراسة العروض ،فالحديث عن الايقاع ارتبط لديهم بالقصيدة العمودية وكأن ما حدث في الخمسينات من ثورة لم يعن للأساتذة شيئا ،فلماذا تم إغفال هذه الفكرة التي امتدت سبعين سنة ؟هل أعادت هذه الثورة النظر في المفاهيم التي أتى بها قدمائنا ؟” ،هذا ووجهت تساؤلها للدكتور علي بقولها:” فهمت من حديثك أن الايقاع ليس نفسه هو اللغة فما دور الإيقاع في تشكيل اللغة؟ الإيقاع مفهوم هلامي لا يمكن القبض عليه أو حتى تعريفه تعريفا مغايرا،وما تم تداوله منذ القديم حول مايسمى بالايقاع الداخلي ،جناس وتصريع ..الا تعتقدون هذه الصفات هي كذلك خارجية ؟ألا تتعلق أساسا بالملتقي ؟.

ما اثاره كذلك د.علي :حديثه عن الجانب العاطفي ،ربما إذا ماتم اعتماده سوف يغير في الكثير من الطروحات المتعلقة بالإيقاع لأن التوجه نحو العاطفة يؤكد أنها هي التي توجه القصيدة وهذا مايعيدنا إلى السيميائيات من كون العاطفة مسؤولة عن تشكيل الدلالة ،هل يمكن الاستفادة من الدرس الغربي المعاصر لكي نستثمر بعض المفاهيم التراثية كما ورد عند القرطاجني الذي تحدث عن العاطفة ؟”.

كما قدم طالب الدكتوراه بدر الدين درارجة من الجزائر جملة تعقيبات وتساؤلات ، حيث قال:” تعد قصيدة النثر التي تمردت على جانب الإيقاع الصوتي ( الإيقاع الخارجي ) للقصيدة القديمة حيث رأت في هذا الجانب مجرد زلزلة سطحية خداعة لطبلة الأذن لا دخل لها في دلالة القصيدة بل هي عائق أمام التعبير عن كل ما يختلج الشاعر من أفكار ويفرض ذلك الايقاع ،خاصة الأوزان والقافية قوالب جاهزة مسبقا تحد من الوصول إلى الشعرية الحقة والدلالة الكاملة ،وعدت الأوزان الشعرية التي عرفها الشعر العربي وظلت ترافقه وتلازمه ردحا من الزمن هي قوالب لا روح فيها ومجرد عوائق تحد رحابة الإبداع فتلك الأوزان الشعرية هي حدود وهمية لا دخل لها في نسق النص الشعري ولا في دلالته.

ولهذا قدمت قصيدة النثر الإيقاع الداخلي كبديل من الناحية الصوتية والدلالية تعتمد فيه على إيقاع الكلمة والجملة والقصيدة كاملة، ومما سبق أرتأيت أن أعرف رأي أو وجهة نظر الدكتور علي عبد رمضان في هذه القضية الجدلية المشكلة التي مفادها : هل حقا الإيقاع الصوتي بكل عناصره له دخل في انسجام الشعر وإنتاج دلالته؟ أم هو أمر إضافي شكلي لا غير وأن دعوة الحداثيين إلى ما أسموه الإيقاع الداخلي هو الذي يخدم دلالة النص الشعري ؟”.

بعد إجابة د.علي عبد رمضان على التساؤلات ، ختمت د. غزلان هاشمي الجلسة ، شاكرة للحضور حسن تفاعلهم وللمحاضرين محاضراتهم القيمة ، وضربت موعدا لندوة أخرى في قادم الأيام إن شاء الله.

Share this:

Bookmark the permalink.

Comments are closed.