مركز جيل البحث العلمي يكرم عبد القادر بن فرح

 

أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الجمعة 14 أكتوبر ندوة افتراضية احتفاء بعضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الباحث التونسي الدكتور عبد القادر بن فرح (جامعة سوسة)،حيث تمت فيها مناقشة كتابه الموسوم بـ: “أنماط المسند إليه في العربية: مقاربة دلالية تركيبية” ، وذلك بمشاركة أسماء علمية تونسية وهي: د. سعاد الخراط (جامعة سوسة، تونس) ـ د.عماد اللحياني (جامعة صفاقس، تونس) ـ د.محمد القلال (جامعة صفاقس، تونس )، الخبير التّربوي الاستاذ خالد السقّة (متفقّد العربيّة بالمدارس الإعداديّة والثانويّة بتونس).

بداية رحبت رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي بالحضور، وأشادت بجهود أسرة المجلة بما فيها جهود د.عبد القادر بن فرح ،ثم أحالت الكلمة إلى مديرة الجلسة د.غزلان هاشمي والتي رحبت بدورها بالحضور الكريم، مثمنة جهود المحتفى به وتعاونه الدائم ،ثم أحالت الكلمة له من أجل تقديم ملخص حول كتابه.

قدم د.عبد القادر بن فرح ملخصا حول موضوعات كتابه ،حيث قال:

“منذ تأسيس النّحو العربي، واكتمال قواعده، أي منذ القرن الثّاني للهجرة (سيبويه 180 هـ) ارتكزت اللّغة العربيّة على قواعد تحكّمت في الباحثين بدرجة كبرى إلى اليوم. ولعلّ ارتباط القواعد التّركيبيّة والإعرابيّة بشروح القرآن من أهمّ الأسباب التي جعلت إعادة النّظر في تلك القواعد من باب ما يُتجنَّب طرقه أو الخوض فيه.

ومع ما شهدته الدّراسات اللّغويّة الغربيّة من تطويرٍ لآليّات اشتغالها مستعينة في ذلك بالعلوم المحدَثة والمعاصرة مثل علم النّفس العرفاني وغيره، ظهر تيّار لغويّ حاول ترييض Mathématisation القواعد التركيبيّة التي تنبني عليها الجمل، وخاصّة منها ما يتعلّق بقضيّة الإسناد. وهذا التيّار هو ما اصطُلح عليه بالنّحو التّوزيعيّ التّحويليّ Grammaire distributionnelle transformationnelle. وقد تأسّس هذا النّحو على يد اللّغويّ ز. هاريس Z. Harris. وأهمّ ما ارتكزت عليه نظريّته اعتماد قواعد إعادة الكتابة Règles de réécriture للوصول إلى ما يمكن أن يكون جملة تامّة يحسُن السّكوت عليها حسب اصطلاح علماء النّحو القُدامى. ويَستوجب الوصول إلى مثل هذه الجملة الانطلاق من الإسناد، إذ شرطُ تمام الجملة الأوّليّ هو انبناؤها على هذا المكوّن. ولكنّ النّظريّة المذكورة حوّرت في مكوِّنَيْ الإسناد، فلم يعد مفهوم الإسناد معها منبنيا على ثنائيّة (مسند + مسندإليه) بل على ثنائيّة (عامل Opérateur + معمولات Arguments). وينحصر مفهوم العامل في المسند الدّلالي دون المسند التركيبي الذي تحكّم في مُخرجات النّظريّة النّحوية العربيّة. ويكون المعمول الأوّل في سلسلة انتقاءات المسند الدّلالي Prédicat هو الفاعل الذي قام بالفعل أو كان متحمّلا له.

وقد تطوّرت أعمال هذه النّظريّة مع دخول مكوِّن رئيسيّ في عمليّات تصنيف المسانيد الدّلاليّة، هو المعجم، وذلك مع اللغويّ الفرنسي م. قروص M.Gross في نظريّته المعجم-النّحو Lexique-Grammaire في مرحلة أولى، ثمّ مع ق. قروص G.Gross في نظريّته أصناف الأشياء Classes d’objets في مرحلة ثانية. وقد وقع تفريع المسند إلى مسانيد فعليّة وأخرى اسميّة وثالثة وصفيّة إلخ. ثمّ تتمّ عمليّات استخراج السّمات الدّلاليّة والتّركيبيّة لهذه المسانيد. وتساهم هذه السّمات في التنبّؤ بالمعمولات التي تطلبها والتي تخضع بدورها إلى عمليّات تصنيف تحدّد الصّنف العام الذي تطلبه السّمات المستخرَجة سابقا.. وتساهم هذه العمليّات في إعادة فهمنا وتصنيفنا للمكوّنات الإسناديّة التي تنبني عليها جملةٌ مّا.

وفي هذا الإطار أنجزنا أطروحة بحث عنوانها: (أنماط المسند إليه في العربيّة، مقاربة دلاليّة تركيبيّة) (صادرة عن دار المنتدى للنّشر 2021 تونس). وقد وصلنا إلى جملة من النّتائج غيّرت فهمنا لعمليّات الإسناد. وقد انعكس ذلك بدوره على عمليّات تصنيف الجملة في العربيّة إلى جملة اسميّة وأخرى فعليّة. فلم يعُد الفعل الوارد أوّل الكلام في الجملة الفعليّة هو المسند ضرورةً، فيمكن أن يكون مجرّد فعل ناقل Verbe support يؤدّي دورا تحيينيّا Actualisateur لا غير. ويكون الاسم الوارد بعده حينئذ هو المسند الدّلالي، وذلك مثال قولنا (تمّ بناء بُرج كبير) والتي يذهب النّحو العربي إلى اعتبار الفعل (تمّ) فيها مسندا. ولكنّنا انتهينا إلى اعتباره مجرّد فعل محيِّن يعكس قيمة مظهريّة Aspectuelle هي قيمة الانتهاء أو الانقضاء للمسند الدّلالي الذي هو المصدر (بناء). وبذلك تغيّر فهمنا للإسناد وخرج عن الضوابط الصّارمة التي كبّلت النّظريّة النّحوية طيلة قرون من الزّمان.

وقد توصّلنا إلى نتائج ثانية مرتبطة بالنّتائج المذكورة ساهمت في إعادة النّظر في تصنيف النّحاة القدامى للجملة إلى اسميّة وفعليّة. فقد أوصلَنا اعتماد قواعد إعادة الكتابة واعتماد مفهوم المسند الدّلالي دون التّركيبيّ إلى إرجاع كلّ جملة تحتوي اسما مشتقّا أي صفة إلى شكل الجملة الفعليّة بما أنّ كل مشتق يحمل بالضرورة معنى الفعل، وقد أقرّ النّحاة القدامى أنفسهم بذلك. وقد ساهمت إعادة تصنيف الجملة حسب مرجعيّات النّظر المذكورة في التّقليص إلى حدّ كبير من وجود الجملة المُسمّاة اسميّةً في العربيّة.

وقد توزع العمل بين النّظري والاجرائيّ. وأولينا فيه مكانة كبرى للاستعمال. وانتهينا بعد اختبار فرضيّات العمل التي انتهجناها إلى محاولة توحيد الفواعل الدّلاليّة في نمط عام هو نمط (الفاعل الدّلالي). وهو يجمع ما يُسمّى المعمول الأوّل في سلسلة انتقاء المسند الدّلالي.

وينخرط عملنا ضمن أعمال بحث يُشرف عليها اللغويّ صالح الماجري. وهي تسعى إلى إعادة النّظر في المكوّنات اللغويّة التي ظلّت حبيسة العمل والموضع إلخ.

وتسعى هذه الأعمال إلى وصف اللّسان العربي وصفا مشكلنا من أجل المعالجة الآليّة.

وتظلّ النتائج التي توصّلنا إليها في حاجة إلى أعمال ثانية حتى تتبلور النتائج بشكل أكبر، وحتى نصل إلى الإحاطة بأكبر قدر ممكن من قضايا النّحو العربي انطلاقا من رفد هذه القراءات التّجديديّة”.

قدمت د.سعاد الخرّاط (جامعة سوسة) مداخلتها والموسومة بـ”الأسس النظريّة للدراسة الأنماطيّة في أطروحة الدكتور عبد القادر بن فرح: “أنماط المسند إليه في العربيّة: مقاربة دلالية تركيبيّة” ،وضحت فيها أن “أطروحة الدكتور عبد القادر بن فرح المعنونة بـ “أنماط المسند إليه في العربيّة” هي عمل لسانيّ اهتمّ فيه برصد المسند إليه وهو المعمول الأوّل الذي يرد مباشرة بعد الفعل. وقد رصد هذه الظاهرة في دراسته بالتركيز على ما وقعت إثارته في التراث النحوي من جهة وكذلك في اللسانيات المعاصرة بمختلف مدارسها وقد ركّز اهتمامه خاصّة في الباب الثالث على نظريّة أصناف الأشياء وهي نظريّة تهتمّ بالتصنيف.

وسعى الباحث في دراسته إلى الاهتمام بالجانبين النظري والتطبيقي استنادا إلى المدوّنة التي اعتمدها. فالنظريّة تندرج ضمن لسانيّات المدوّنة. وتسعى نظرية الأصناف الدلاليّة التي اعتمدها الباحث إلى برمجة اللغة برمجة إعلاميّة وإنجاز مشروع الترجمة الآليّة وقد انبثقت هذه النظريّة عن نظريّة النحو المعجم وتوزيعيّة هاريس.

وتستند هذه النظريّة على الجملة البسيطة بوصفها النواة الأساسيّة التي يمكن أن ندرس من خلالها المعطيات اللغويّة. واستنادا إلى مفهوم الجملة البسيطة اهتمّت هذه النظريّة بالدلالة والتركيب وهو المحور الذي تأسس عليه بحث الدكتور عبد القادر بن فرح.

فضل هذه الدراسة إذن أنّها زعزعت المفاهيم النحويّة التقليديّة وسعت إلى الاهتمام بمبحث لسانيّ اقتضاه التطوّر العلمي والتكنولوجي والتوجّه المحدث لحوسبة اللغة. وهي إضافة تحسب للباحث وتعلي من قيمة البحث”.

أما د.عماد اللحياني من كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس ،قدم مداخلة تحت عنوان” نجاعة المقاربة المعجميّة النحويّة ونظرية أصناف الأشياء في تصنيف الدكتور عبد القادر بن فرح لمفهوم الفاعل في العربيّة”. بين فيها أن الباحث في كتابه درس ” قضايا لغويّة عديدة تتمحور حول المسند والمسند إليه والعمليّة الإسناديّة عموما. ولهذا العمل مزيّة أساسيّة تتمثّل في مساءلة إشكاليّة المسند إليه، آخذا بعين الاعتبار في الوقت نفسه منجزات التّراث النّحويّ وإضافات النّظرّيات اللّسانيّة الحديثة. ومن بين النظريّات اللسانيّة الحديثة التي قارب بها الدكتور عبد القادر بن فرح إشكاليّة المسند إليه، نظرية “أصناف الأشياء” لقاسطون قروص. لهذه النظريّة التي اعتمدها الدكتور عبد القادر في الباب الثالث من القسم الثاني من كتابه عدّة مبادئ ومفاهيم وأهداف واضحة ودقيقة. من أهمّ مبادئ هذه النظريّة دراسة التركيب والمعجم والدلالة في الآن نفسه باعتبارها مستويات متداخلة ومترابطة. ويتمّ ذلك بتصنيف المسانيد إلى أصناف دلاليّة متجانسة (كبرى وفرعيّة)، ثمّ تصنيف المعمولات التي تنتقيها هذه المسانيد حسب السمات التركيبيّة الدلاليّة وأصناف الأشياء داخل الجملة البسيطة. وتعتبر الجملة البسيطة (Phrase simple) في هذه النظريّة الوحدة الدنيا للمعنى. ولا تتكوّن الجملة البسيطة من مسند ومسند إليه كما عهدنا الأمر في النحو العربيّ، بل تتكوّن من مسند~معمول (Prédicat~argument). ويمكن أن يكون المسند فعلا أو اسما أو صفة أو حرفا. أمّا المعمولات فهي أسماء غير إسناديّة (Noms non prédicatifs) أو جمل.

لقد وظّف الدكتور عبد القادر بن فرح توظيفا جيّدا وعميقا آليّات الوصف والتحليل في نظريّة “أصناف الأشياء”، وانتهى بعد أن اعتمد على مدونة قديمة ومعاصرة إلى أنّ عمليّة تصنيف المسند إليه في العربيّة عمليّةٌ ممكنة بالعودة إلى تصنيف المسانيد التي هي الأصل في انتقاء المسانيد إليها. إذ يمكن تجميع أغلب الوظائف المنتمية إلى حيّز المسند إليه في نمط عامّ سمّاه الدكتور عبد القادر <الفاعل الدّلالي>. ويرى أن الخصائص المشتركة داخل هذا النّمط يمكن أن تجنّبنا الوقوع في ما ألزمتنا به المقاربات التّركيبيّة من الافتراقات بين فاعل تركيبيّ ودلاليّ، وفاعل تركيبيّ وغير دلاليّ، ونائب فاعل، ومبتدأ وغيره ممّا عُدّ في مقاربة النّحاة العرب مسندا إليه لمسند لا يتعدّى كونه فعلا أو خبرا داخل الجملة.

إن الوصف الذي قدّمه الدكتور عبد القادر في كتابه ووضع أنماطية للفاعل الدلاليّ يساعد على المعالجة الآليّة للغات الطبيعيّة وعلى إعداد قواميس إلكترونيّة للعربيّة تهتمّ بالتدالّ والترادف والتضادّ والترجمة والتكلّس المعجميّ (Figement lexical)، إذ يمكّننا هذا الوصف من تقديم معطيات لسانيّة متجانسة ودقيقة على المستويات التركيبيّة والدلاليّة والتوزيعيّة (Distributionnelle) والتحويليّة (Transformationnelle).

إنّ كتاب الدكتور عبد القادر بن فرح، يمثّل في نظرنا إضافة حقيقيّة إلى الدّراسات اللّسانيّة، إذ فيه استثمار واضح لمكتسبات مختلف النّظريّات اللّسانيّة (التّوزيعيّة، التّحويليّة، الوظيفيّة)، ولاسيّما نظريّة أصناف الأشياء في مسألة الإسناد التي تعتبر مسألة قديمة وراهنة، معهودة ومتجدّدة”.

بينما قدم د. محمّد القلّال من جامعة صفاقس مداخلة بعنوان “”مبحث الإسناد الدّلاليّ في أعمال الدّكتور عبد القادر بن فرح بين إكراهات التّراث النّحويّ العربيّ والانفتاح على المقاربات اللّسانيّة الحديثة” ،قال فيها:” إنّ النّاظر في مجمل العناوين البحثيّة للدّكتور عبد القادر بن فرح (من قبيل مقالاته: “الفاعل المسكوت عنه في النّحو العربيّ بين الغياب العلاميّ والحضور المرجعيّ” ضمن ندوة (المسكوت عنه، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس 2009) أو “أزمة المعنى في معالجة اللّسان العربيّ، دراسة عرفانيّة في مشكلات المعنى في تراكيب العربيّة” (ندوة النّصّ السّرديّ وقضايا المعنى، كلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة 2012) أو “دور السّياق في حلّ مشكلات المعنى، دراسة نماذج من المعاني النّحويّة في تراكيب اللّغة العربيّة” مشاركة في المؤلَّف الجماعيّ الصادر عن دار السياب لندن حول السّياق) ليلحظ، من غير عناء، انشغاله بقضايا المعنى والدّلالة. هذا الانشغال الّذي بلغ غايته في أطروحته المنشورة والموسومة بـ: “أنماط المسند إليه في العربيّة، مقاربة دلاليّة تركيبيّة“. الأمر الّذي حداه، في مستوى العنونة، إلى التّقديم الرّتبي للدّلالة على التّركيب منبّها، بذلك، إلى الحاجة التّاريخيّة الملحّة، اليوم، إلى أن نقصد باب “الدّلالة” بعد طول تفكير في “التّركيب” ومشكلاته.

كان ذلك ما ينبّهنا إليه الشّطر الثّاني من عنوان أطروحته. أمّا الشّطر الأوّل من عنوان الأطروحة فينبّهنا، بدوره، إلى الحاجة التّاريخيّة المتأكّدة، اليوم، إلى أن نفكّر في قضايا “المسند إليه” – بما هو الرّكن الثّاني من النّواة الإسناديّة الّتي بها تقوم الجملة – بعد طول تفكير في “المسند” ومشكلاته.

وهديا على عنوان الأطروحة بشطريه، نلفي الإضافة العلميّة حاضرة بقوّة من خلال محاولة الدّكتور عبد القادر تصحيح مسار البحث اللّسانيّ بقلبه على محاوره المعكوسة، وكذلك، من خلال موازنته النّقديّة بين اتّجاهين بحثيين مختلفين في الزّمان والمكان: اتّجاه الصّناعة النّحويّة العربيّة القديمة واتّجاه النّظريّات اللّسانيّات المعاصرة. فلم يكن واحدا من دعاة الانسلاخ عن الماضي ونفضه أو طرحه والارتماء، في المقابل، في أحضان التّنظيرات الغربيّة وإغراءاتها من نحو ما صنعت جماعة الحداثة والتّيسير في النّصف الأوّل من القرن الماضي. بل وضع نفسه، كما يحبّ هو ويشتهي، ضمن جماعة التّجديد المنتسبة إلى النّصف الثّاني من القرن العشرين المعروفة بتكيّفها مع التطوّرات اللّسانيّة المستجدّة وانفتاحها عليها انفتاح تأثير فيها لا انفتاح تأثّر بها.

وشتّان ما بين الجماعتين، فإذا كانت الأولى تعاني ممّا أسمّيه بحالة “الانفلات اللّسانيّ” (أو “التّزحلق اللّسانيّ” بالنّظر إلى تأرجحها بين أكثر من نظريّة في غير تبصّر) –وهذا هو “بيت الدّاء“- فإنّ الثّانيّة تعيش حالة “الانفتاح اللّسانيّ“. وهذا هو “بيت الدّواء“. ولقد أفلح الباحث الدّكتور عبد القادر، في تقديري على الأقلّ، في تخيّر مرجعيّاته اللّسانيّة المعاصرة وتقريب فرضيّاتها ومفاهيمها ومصطلحاتها من القارئ العربيّ حتّى تنجلي له نقيّة صافيّة. وأفلح، بالمثل، من خلال الباب الأخير من أطروحته، في تأسيس رؤى تطبيقيّة جديدة ساعدتنا على فهم كثير من أسرار العربيّة وتراكيبها.

ومحصول القول إنّ القيمة العلميّة التي أضافتها أطروحة الدكتور بن فرح لا يمكن أن تواجه بالشكّ أو الإنكار. على الأقلّ، من جهة ما توفّره لنا من معطيّات شكليّة تصلح لأن تُستثمر في مجال المعالجة الآليّة للّغات. وما أحوجنا إلى هذا النّوع من الاستثمار اللّغويّ في حاضرنا، حاضر الرّقمنة والبرمجيّات. وقد صنع الرّجل لقرّاء العربيّة معروفا حين نشرها. فله منّا كلّ الشّكر والعرفان”.

ختمت الجلسة بمداخلة الأستاذ خالد السقّا والتي حملت عنوان” في النّقل الديداكتيكي في البرامج الرّسميّة: أيّ حظ للمناويل النّحوية الجديدة؟ أطروحة الدّكتور عبدالقادر بن فرح نموذجا ” قال فيها:يُعدّ كتاب الدّكتور عبدالقادر بن فرح (أنماط المسند إليه في العربيّة، مقاربة دلاليّة تركيبيّة) ثورة تجديدية في جملة من المعارف العالمة التي تتعلّق بقضايا النّحو وعلى رأسها قضيّة الإسناد. فقد غيّر الباحث مفهومنا التّقليدي للإسناد. وانعكس ذلك على تصنيف الجملة في العربيّة إضافة إلى تغيير وظائف نحويّة مستقرّة.

وينطلق الباحث في قراءاته من نظرة تجديديّة وينخرط الباحث بن فرح في ما يُسمّى الوصف المُشكلَن لبعض قضايا النّحو العربيّ. ويهدف هذا الوصف إلى تمهيد الطّريق أمام المعالجة الآليّة للألسن Traitement automatique des langues.

وتساهم هذه العمليّات في إخراج النّحو العربي من جموده، وتيسّر انخراط الدّراسات اللّغويّة في المناهج البحثيّة الحديثة بغرض تسهيل عمليّات التّرجمة الآلية وإعادة إنشاء القواميس وغير ذلك. ولا يعني ذلك أنّ الباحث قد أسقط ما أتى به النّحاة العرب القدامى، بل هو حاول العودة إليها والأخذ منها مع طرح تطويرات في القراءة وإعادة التّصنيف بما يجعل من اللغة العربيّة وقواعدها أكثر نجاعة وتواؤما وجمعا بين ما يحصل في أذهان المتعلمين من تصوّرات وما يتعالق معها في مستوى المعارف التي يحصل عليها في عمليّات التلقي والتّمدرس.

وقد تكون أطروحة الدّكتور بن فرح من المنطلقات التي يمكن أن نؤسّس عن طريقها قراءات جديدة تغيّر المفهوم التّقليدي للإسناد وللوظائف النّحوية وخاصّة مفهومي الابتداء والفاعليّة.

ويمكن أن تغيّر النّتائج التي وصل إليها في كتابه وفي غيره من الأعمال التي أنجزها المفاهيمَ التي تلتبس في أذهان المتعلمين من جهة عدم مطابقة معاني الوظائف ومنها الفاعليّة مع ماصَدَق الموجودات في الكون الخارجي والتي ترتسم في أذهانهم في شكل علاقات كثيرا ما تصطدم بالمعارف النّحويّة التي تدرّس. لذلك نفترض أن المعارف العالمة التي بثّها الباحث في أعماله قد تقلب الكثير من المفاهيم اللغوية السّائدة إذا ما أخرجناها من صيغتها العالمة إلى برامج ومناهج يمكن أن تدرّس. ويكون ذلك عبر عمليّات التّحويل الديداكتيكي.

ونعتقد أنّ مثل هذه الأعمال يمكن أن تجعلنا نتجاوز الكثير من عمليّات الالتباس التي تحصل لدى المتعلّمين في دروس النّحو وفي شروح النّصوص وغيرها، خاصّة مع إيماننا بضرورة تطوير الأسناد التّربويّة ومواكبة التطوّرات التّكنولوجيّة ومحاولة تطويعها في العمليّات التّعليميّة التعلّمية”.

فتحت رئيسة الجلسة النقاش أمام الحضور، وبعد رد د.عبد القادر على استفسارات المحاضرين، ختمت الجلسة، شاكرة للمحاضرين محاضراتهم القيمة ،وضاربة موعدا آخر مع عضو آخر من أسرة المجلة في قادم الأيام.

Share this:

Bookmark the permalink.

Comments are closed.