نظم مركز جيل البحث العلمي يوم 26 مارس ملتقى علمي بمدينة البليدة الجزائر تحت عنوان “المرأة والسلام”، والذي شارك فيه باحثون متخصصون في العلوم الانسانية والقانونية والإعلامية من عدة جامعات جزائرية.
ولقد تميزت فعاليات هذا الملتقى بالشمولية حيث غطى كل الجوانب (ديني اجتماعي نفسي سياسي إعلامي … بأسلوب علمي نظري تخللته أمثلة واقعية ، واستعرضت خلال ساعاته نماذج من الواقع وقٌدِّمت احصائيات بالأرقام عن مشاركة المرأة في سوق العمل ، وكذا مشاركة المرأة في الحياة السياسية في الدول العربية والجزائر باعتبارها رائدة من حيث حضور وتواجد المرأة في مؤسسات القرار الرسمي ومناصب أخرى، كانت حكرا على جنس الرجال ومازال بعضها الى يومنا بناء على ما تتطلع إليه المرأة من مكانة أفضل في منظومة الحياة المعاصرة .
كانت افتتاحية الملتقى تحت رئاسة الدكتور جمال بلبكاي رئيس قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بالمركز ومختص في المجال الاجتماعي والنفسي، حيث استهل الجلسة الأولى بمقدمة أبرز فيها مكانة المرأة داخل المجتمعات الانسانية ومدى اهتمام وتغني الكتاب والأدباء والشعراء بها منذ القدم ، فالحديث عن المرأة هو حديث ذو شجون يظهر في كل رواية وقصة وشعر ، وتناول خلال هذه المقدمة أبعاد موضوع المرأة والسلام وكيف أنه موضوع ذو اهتمام في العلوم الانسانية الحديثة .
كما عرّج على تقديم نظرة حول المركز المنظم لهذا الملتقى وفلسفته وسياسته المفتوحة ، وكذا تقبل مركز جيل البحث العلمي لكافة الاقتراحات والمبادرات والمشاركات ، كما ذكّر بعدد من النشاطات والملتقيات التي عقدها المركز في لبنان والجزائر .
الجلسة الأولى كانت تحت رئاسة الدكتور أسامة غربي من كلية الحقوق بجامعة يحي فارس بالمدية حيث أثنى على القائمين على المركز اهتمامه بالبحث العلمي وتنظيمه لمثل هذه الفعاليات المتعلقة بمواضيع تعرفها ساحة العلوم الانسانية .
أول مداخلة كانت من طرف الدكتورة بهجة عمروني مختصة في علم الاجتماع من جامعة بوزيعة ، تحت عنوان : دور خريجات علم الاجتماع المهنيات في التنمية
فأبرزت دور المرأة في السلم الأهلي من خلال التنشئة الاجتماعية ،التي تعبر مهمة المرأة بصورة طبيعية وخصوصا المرأة المثقفة التي تتحمل مسؤولية أكثر من غيرها في التنشئة الاجتماعية ، كما ربطت هذه المهمة الاجتماعية بدور خريجات علم الاجتماع وتطرقت إلى ظاهرة، وهي أن حملة الشهادات الجامعية أغلبهن من النساء مقارنة بالرجال وقالت بأن أسباب الظاهرة تبقى مجهولة، في إشارة منها إلى دفع الأمهات لبناتهن وحثهن على الدراسة، كما وضحت دور علم الاجتماع في المجال التربوي والتعليمي والمهني، وسلطت الضوء على ظاهرة التهميش التي تعانيها فئة خريجات علم الاجتماع المهنيات وعدم ادماجهن في الاوساط المهنية التي في الأساس هي من اختصاصهن ، مما ولّد هذا أزمة هوية لدى هذه الفئة ، والآثار السلبية على المجتمع بسبب إغفال دورها الموجه لتفادي ظواهر منحرفة كانتشار ظاهرة الطلاق وانحراف الأحداث والبطالة وتدني مستوى المعيشة وآثار كل هذا على السلم الأهلي .
وأحيلت الكلمة الثانية للدكتورة حماش كاهنة باحثة مختصة في المجال الاجتماعي، حيث مداخلتها دارت حول موضوع تمكين المرأة من تولّي مناصب القرار ، فوضحت العلاقة بين السلم الاجتماعي والسياسي وتواجد المرأة في مراكز القرار ، كما قدمت أرقاما حول النساء العاملات مقارنة بالرجال حيث لا تتعدى في الجزائر نسبة 17بالمائة ونسبة وجود المرأة في مناصب القرار لا يتعدى 0.01 بالمائة .
وتطرقت إلى مسالة التشريعات الوطنية، التي لا تعرف التمييز بين المرأة والرجل ورغم ذلك نجد واقعا مختلفا حيث تعرف المرأة في المجتمعات العربية تمييزا عن الرجال رغم انتشار التعاليم الدينية في أوساط هذه المجتمعات وقدمت مثالا عن حرمان بعض المناطق المرأة من الحق في الميراث، بسبب الإلتزام بالعرف السائد وعلقت على أن العرف يعرف إلتزاما أكثر من النصوص الدينية في بلداننا خصوصا في ظاهرة الخيانة الزوجية والكيل بمكيالين ،حيث تؤدي خيانة المرأة إلى القتل ، كما انتقدت الأفكار السائدة لدى النساء العاملات وقالت بأن المرأة تعمل من أجل اقتناء نفقات الزواج التي تتطلبها العادات والتقاليد (جهازها) .
كما انتقدت تواجد المرأة فقط في قطاعات كالتعليم والصحة والخدمات ، ويكرس هذا في تكريس تهميش المرأة كون المجتمع لا يفتح المجال للمرأة خارج هذه القطاعات ، وقالت بأنها ليست مشكلة قوانين وتشريعات بل مشكلة انسجام المجتمع مع هذه القوانين التي تمنح المرأة فرصا أكثر .
أما في الجلسة الثانية التي تمت تحت رئاسة الدكتور جمال بوشنافة من كلية الحقوق بالمدية فكانت الكلمة للدكتورة نسيسة فاطمة الزهراء تخصص علم اجتماع ، تطرقت إلى وضع المرأة في الحضارات القديمة ووضعها في المجتمع وجملة الافكار التي تقمع المرأة وسردت أقوال فلاسفة قدامى أمثال أرسطو وغيرهم ممن اعتبروا المرأة كائنا أدنى مرتبة من الرجل وقدمت وجهة نظر اليهود عن المرأة حيث تعتبر لعنة تسبب الغواية ، وكذلك المسيحية التي تغيرت نصوصها وتعرضت للتحريف بعد ان أعطت النصوص الأصلية مكانة سامية للمرأة ، إلى أن وصلت الى الإسلام وما نص عليه من كرامة متأصلة للمرأة ولم يميزها عن الرجل بناء على أحكام مستمدة من القرآن والسنة .
الكلمة كانت بعدها للدكتورة مغرابي نسيمة أستاذة العلوم السياسية حيث تناولت موضوع المشاركة السياسية للمرأة في الوطن العربي ، حيث تطرقت الى أهمية الموضوع في واقعنا بسبب ظاهرة العولمة وانتشار حقوق الانسان مما جعل المشاركة السياسية للمرأة مؤشرا على التقدم والحداثة ، تطرقت الى التشريعات العربية المتعلقة بمشاركة المرأة وانعكاسها في الميدان ، وفصلت في النقاط الرئيسية التي يتضمنها موضوع مشاركة المرأة السياسية فهي تتمثل في حق الانتخاب والترشح وتولي الوظائف العامة أو السيادية ، وصنفت المشاركات الى مستوى عالي تتولى فيه المرأة أسمى الوظائف الرسمية ومستوى غير رسمي كالجمعيات المدنية وكذلك ومشاركتها فرديا ،وكذلك ترؤسها للأحزاب السياسية وتواجدها ضمن الجماعات الضاغطة .
بعدها تنقلت إلى التشريعات العربية ومدى تضمنها على ضمان مشاركة المرأة وقدمت نماذج عن السعودية والكويت والجزائر وخلصت الى أن التشريع الداخلي الجزائري يتضمن على نصوص تخول للمرأة مشاركة سياسية أكثر من غيرها من الدول العربية ، بعدها انتقلت الى الجانب الميداني ومدى حضور المرأة سياسيا فتحدثت عن نظام الكوتة في الجزائر الذي اشترط مشاركة المرأة في البرلمان والقوائم الانتخابية بنسبة 30 في المائة كحد أدنى لضمان تواجد المرأة كإجراء قانوني ملزم .
كما اعتبرت وجود نساء في السلطة التنفيذية كوزيرات للأسرة والتضامن لا يعني شيئا كون هذه المجالات تُبقي المرأة مهمشة ، فلماذا لا يمكن للمرأة أن تكون وزيرة للداخلية أو وزيرة العدل ، واعتبرت انها ليست مشكلة تشريعات وقوانين بل ممارسة في الميدان وبالتالي المشاركة السياسية للمرأة في العالم العربي لم ترق الى المستوى المطلوب .
تناول بعدها الدكتور جمال بلبكاي رئيس الملتقى الكلمة، ملخصا جملة النقاط الهامة وموضحا لكثير من الجوانب والثغرات التي تتعلق بالموضوع، كالخصوصية الثقافية للمجتمعات العربية، وكذلك دور مؤسسات التنشئة باعتبارها المسؤولة عن فلسفة ومدى وعي المجتمع وثقافته .
كما ترأس الدكتور العربي بلقاسم من جامعة المدية الجلسة الثالثة في جو حواري تفاعلي ، كانت فيه الكلمة للدكتورة نسيسة فاطمة الزهراء مستعرضة مكانة المرأة في الشريعة الاسلامية وانعكاس ذلك على عملها في المجتمع الجزائري وأكدت على حق العمل للمرأة في الاسلام وعنايته بها في حدود الاحسان وتحذيره لظلمها وتعدي حدود الله في حقها ، مبينة أن عمل المرأة لا يؤثر على سيرورة الحياة العادية للأسرة ويمكن للمرأة إدارة شؤونها ووظيفتها الطبيعية دون اشكال ، وقدمت مزايا العمل للمرأة وفق شروط يجب توافرها كعدم الاختلاط بالرجال وغير ذلك مما يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية ويعتبر مساسا بالآداب العامة الاسلامية ، كما قدمت وجهة نظر عن وضع المرأة العاملة في المصانع وقالت بأنها ضيعت أسرتها وأصبحت تكافح من أجل الاستقرار .
وفي فترة المناقشات استهل الدكتور أسامة غربي الحديث بعبارة طريفة عندما قال : الآن ينبغي لي ان أنزع ثوب الأكاديمي وأتكلم كرجل مستعرضا واقعا جديدا تتعرض له الأسرة في ظل تمسك النساء بالحق في العمل في مواجهة الأزواج وكذا انعكاسات ذلك على تربية الأبناء وعديد من الحقوق الزوجية وكذا امكانية تعرض المرأة للإرهاق مع وجود عديد من الإلتزامات ، والجميع قدموا وجهات نظر تتعلق بانماط الحياة وأفكار شخصية حول تسيير شؤون الأسرة والعمل والتوفيق بين الإلتزامات في جو طبعته الشفافية والوضوح .